الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

الأرض الغريبة " بلوشستان"

خارطة قديمة لبلوشستان ، افغانستان ، ايران ، وتوضح حدود بلوشستان المستقلة
قبل هجوم البريطانيين عليها

ربما سمعت عن خط دوراند ، مضيق هرمز ، حضارة مَرجهار ، ويمكن ايضا قد سمعت بجيدروسيا التي لا يمكن أن ينساها اليونانيين! إذا كنت امريكيا أو بريطانيا فهذا الإسم لن يكون مألوفا لديك. لكن هل تعرف أين تقع هلمند! نعم ، هلمند تقع في أفغانستان ، قد تتسائل لماذا أسأل عن هذه الأماكن! في الواقع هذه بعض الأماكن في بلوشستان ، نعم بلوشستان ، حتى الآن هي كلمة غير مألوفة لدى هذا العالم المتحضر ، اسم قد يبدو غريبا ! دعوني أحاول أن أصف لكم هذا الغريب في الأسطر المقبلة. بلوشستان مقسمة الى ثلاثة أجزاء وكل الفضل يعود الى الإمبريالية البريطانية والإّ لكنا بلداً مستقلاً. جزء واحد من بلوشستان يقع تحت سيطرة أفغانستان وتتكون من المناطق المعروفة حالياً بـهلمند ، فرح ونيمروز ، واسم هلمند هو تحت الأضواء بسبب التمرد هناك والحرب على ما يسمى الارهاب. والجزء الثاني محتل من قبل باكستان والجزء الثالث ضم بالقوة الى إيران فيما يعرف حاليا ببلوشستان المحتلة من قبل إيران. ولكن في كتابتي أود أن اسلط الضوء بشكل رئيسي على بلوشستان المحتلة من قبل باكستان والتي كانت دولة مستقبلة حتى 27 مارس 1948. يوم إستقلال بلوشستان هو 11 آب 1947 ، وما زال البلوش يحتفلون بهذا اليوم بحماس كبير وعاطفة كل عام على أمل ان تستعيد بلوشستان استقلالها مرة أخرى. أحتُلت بلوشستان بعد 227 يوما من استقلالها عن طريق توغل عسكري وحشي من قبل الجيش الباكستاني.عموما بلوشستان المستقلة كانت دائما صداعا للدولة الباكستانية الإسلامية المتطرفة بسبب النظرة العلمانية للبلوش الذين منحوا اللجوء في بلوشستان للكثير من العائلات الهندوسية والمسيحية الذين هاجروا من باكستان حفاظا على أرواحهم من الإسلاميين البنجابيين المتطرفين خلال فترة تقسيم شبه القارة الهندية. والغرض الثانوي هو الموقع الجيو-إستراتيجي لبلوشستان لأنه استراتيجيا يمثل جسرا  بين الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا الى آسيا الوسطى وجنوب آسيا ويمثل أقرب نقطة للمحيط بالنسبة لدول آسيا الوسطى الغير الساحلية.
مقاتل بلوشي في جبال بلوشستان
 منذ الإحتلال ، خاض البلوش العديد من الحروب لكسر أغلال العبودية الباكستانية  وتستعيد استقلالها من جديد.  أول حرب بدأت بعد 49 يوما فقط في 16 مايو 1948 بقيادة آغا عبدالكريم ورفاقه وقد خاضوا حرب عصابات ونصبوا الأكمنة لقوات الاحتلال الباكستانية. ولكن لسوء الحظ فقد تم اعتقاله من قبل القوات الباكستانية وبالتعاون مع بعض الخونة البلوش. وأما حركة التمرد الثانية فقد كانت في الخمسينيات بقيادة نواب نوروز خان وبعض المقاتلين الوطنيين البلوش. وقد تم خداع نواب نوروز خان بإسم القرآن ومرة اخرى بمساعدة بعض وجهاء البلوش ( مخبرين للدولة ). وتم إدانة نواب نوروز خان ورفاقه بمن فيهم ابنه وحكم عليهم بالموت شنقا ولكن نواب نوروز خان لم يعدم بسبب كبر سنه ، فتوفي لاحقا في السجون الباكستانية. النضال من أجل الحرية لم يتوقف بعد وفاة آغا عبدالكريم و نواب نوروز خان ولكن اتباعهم ورفاقهم الذين تاثروا بهم واصلوا القتال وما زالوا يقاتلون في جبال بلوشستان.
وفي هذه الحرب الوحشية فقد البلوش الكثير والكثير من أبنائهم بما فيهم مئات من المثقفين والقادة. وعملية الاغتيال الاخيرة بحق حبيب غالب واستشهاد نادل كجكي بيد القوات الباكستانية ما هي الا جزء من عملية الابادة الجارية بحق الشعب البلوشي. الدولة واجهزتها الاستخبارية تنظر لكل بلوشي نظرة العدو بغض النظر عن ايديولوجيته أو انتمائه السياسي. من ناحية اخرى ، هناك الالآف من البلوش المفقودين والذين تم اختطافهم من قبل وكالة الاستخبارات الباكستانية بسبب مطالبتهم بالحرية والعدالة في ارضهم ووطنهم بلوشستان. ظاهرة الاختفاء القسري هي واحدة من أسوأ انتهاكات حقوق الانسان في تاريخ البشرية.

ذهب بلوشستان
 بلد كبلوشستان والتي تعتبر من اغنى دول العالم ولكن شعبها هي الاكثر فقرا في العالم بالرغم من غناها بالموارد الطبيعية. فطول سواحل بلوشستان يقدر بـ 1200 كم ، ولديها ثالث اكبر احتياطي من الذهب والنحاس بموقع ريكو ديك ، 217 مليون طن من الفحم ، حقل سوي للغاز ، أهمية واستراتيجية موقع ميناء جوادر للعالم ، فالسوفييت لم يحتلوا أفغانستان الا للوصول للمياه الدافئة والاستيلال على ميناء جوادر الذي يقع بالقرب من مضيق هرمز ، خور كلمت الممتلئ بالحياة البحرية الطبيعية ، احتياطات نفط بمبور بمناطق المري. و على الرغم من تمتع بلوشستان بكل هذي الموارد الطبيعية وهي بمثابة هبة من السماء ، فشعب بلوشستان لا يحصل حتى على ابسط حقوقه والمتمثلة بالمياه النظيفة للشرب حتى يعيش. وبسبب القمع الذي تمارسه الدولة الباكستانية فأكثر من مائة الف امرأة يلقين حتفهن كل عام. سيكون من الظلم الكبير على شعب بلوشستان عدم ذكر الجريمة الكبرى والبشعة لباكستان " اجراء باكستان لتجربتها النووية على ارض البلوش والذي بسببه يعاني الكثير من سكان منطقة تشاغي بامراض خطرة ومزمنة " ولا يمكن لأحد أن يتنبأ الى متى سيستمر هذا الاشعاع باخذ ارواح الناس في هذه المنطقة.
جانب من إحتجاجات البلوش
 والأزمة الإنسانية الاخرى هي تشريد الآلاف من البلوش في وطنهم نتيجة الارهاب الباكستاني المباشر ، الازمة بدأت في عامي 2006 و2007 حين قامت القوات الجوية الباكستانية والقوات البرية بعملية ضدالمقاتلين البلوش بديرة بوجتي ومناطق المري. العملية أدت الى استشهاد كبار قادة البلوش ، نواب اكبر خان بوجتي وبالاج مري ، اضافة الى استشهاد الكثير من النساء والاطفال الأبرياء.  والمجرزة الجارية بحق الشعب البلوشي مستمرة والاوضاع تتدهور اكثر واكثر ، وقد استشهد العشرات من الناشطين البلوش بيد الاستخبارات الباكستانية ومن ضمنهم أشخاص كانوا في عداد المفقودين خلال الاسابيع الثلاث الماضية ، ولكن سائل الاعلام العالمية والعالم الدولي يتجاهل النزاع ببلوشستان ولا يقدم اي تقرير يتضمن الحقائق وكل ذلك بسبب مصالحه مع الدولة الباكستانية. انتهاكات حقوق الانسان في بلوشستان والجرائم التي ترتكبها باكستان تتجاوز بكل المقاييس الجرائم التي كانت ارتكبت ببنغلاديش. ورأي البلوش في المجتمع الدولي آخذ في التغير بسرعه بسبب تجاهلهم للمسألة القومية البلوشية وغصهم الطرف عن كل انتهاكات حقوق الانسان الجسيمة التي تمارسها الدولة الباكستانية بحق الشعب البلوشي. في الواقع ، حذرت " الحركة الوطنية البلوشية" و "منظمة الطلبة البلوش- آزاد" واللتان تعتبران من القوى السياسية الأساسية بحرب تحرير بلوشستان ، الناتو والقوى الدولية من ان تجاهل المشكلة البلوشية قد يرغم الشعب البلوشي على مراجعة مواقفه تجاه المجتمع الدولي.
والحقيقة التي لا يمكن انكارها هي ان اتباع الفكر الإشتراكي أو الجيفاري من البلوش يرون في القوى الغربية الرأسمالية من اكبر المتعاونين مع الدولة الباكستانية في إبادة الشعب البلوشي. ولكن بعض القادة البلوش يعتقدون ان مطالب الوطنيين البلوش هي أبعد من مشكلة النظام الاقتصادي لإنه لا يوجد فكر او دين يسمح بقتل الشعوب واحتلال ارضها، لكنهم غير قادرين على الوقوف ضد السياسات الغربية تجاه بلوشستان المحتلة. من الواضح ان هذا البلد الذي تم تقسيمه من قبل الإمبراطورية البريطانية بعد عام 1839 لمصالحها الخاصة ، سيصبح نقطة مركزية ومهمة للمجتمع الدولي ليس بسبب إبادة البلوش وإنما لمصالحها الخاصة. فالغرب كما يبدو أقل انزعاجا من افعال باكستان اللإنسانية في بلوشستان ولكنه يتطلع الى بلوشستان لمصالحه الخاصة. الشئ الذي يجب ان يكون واضحا وضوح الشمس أنه شعب بلوشستان فقط ووفقا لأي اتفاق ( لمصلحة البلوش ) يمكن ان يحمي مصالح الغرب. واذا كانت القوى الغربية تعتقد بأنهم يستطيعون الوصول لأهدافهم ببلوشستان عن طريق عقد صفقة مع باكستان فإنهم يضيعون وقتهم ومواردهم فقط ، فما دام هناك بلوشي حي على أرض بلوشستان فإنه لن يسمح بغزو بلاده من قبل الغرب، فباكستان لا تستطيع حماية مصالح الغرب ببلوشستان وانما الشعب البلوشي قادر على ذلك فقط.
الشهيد امير بخش وهو بطل قومي لدى الشعب البلوشي
  الأرض المجهولة "بلوشستان " لديها تاريخ عريق ومنذ الآلاف السنين ، لديها الكثير من القصص الشعبية في الحرب والسلام ، لديها الكثير من قبور الشهداء البلوش كما يوجد هناك العديد من مقابر الخونة ، هي الارض التي وصفها الإغريق بأنها صحراء الموت ، فمستقبل هذه الارض يعتمد على نضال البلوش ووحدتهم.
وفي الأخير ، أود أن اقترح على قادتنا وشيوخنا في بلوشستان وعلى اصدقائي ورفاقي هناك ، لا احد سيأتي لإنقاذكم من باكستان، فإذا كنتم تتوقعون أي شيء من المجتمع الدولي فأنتم اذن تستاهلون هذ البربرية. يجب أن يتحد البلوش لتحرير أنفسهم من هذه العبودية من باكستان وايران. إذا اتحد البلوش فإنه يمكن من خلال قوة وحدتهم أن يقنعوا القوى الغربية على أن امة البلوش يمكنهم إدامة السلام والإستقرار في المنطقة. ولا يسعني الإ أن أختم كلامي بمقولة تشي جيفارا الشهيرة " أنا لست محررا، لا وجود للمحررين في هذا العالم، وإنما الشعوب هي من تحرر نفسها".

المصدر : مـن هـنـا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق