الثلاثاء، 3 يناير 2012

جرفتها أمواج التاريخ

بقلم : محمد علي تالبور
 
الأطفال البلوش والسنديين والبشتون مُجبرون على أن يقرأوا عن محمد بن القاسم ومحمود الغزنوي والمغول وأبطال حروب باكستان مع الهند ومجبرون ايضا على تبجيلهم ،بينما لا يُدّرسون شيئا عن تاريخهم وأبطالهم وثقافتهم وكأن هذه الشعوب ليس لها تاريخ او أبطال أو ثقافة قبل 14 أغسطس 1947.
عندما يحتل المستعمرون أرضاً ، كما هو الحال في استراليا والأمريكتين وبلوشستان وكردستان وفلسطين فإن السكان الأصليين يُجردون ويُحرمون من حقوقهم الأصلية والطبيعية والتي كانوا يمارسونها منذ دهور.
فالمُستعمرون في المقام الأول يعتمدون على القوة ، ولكن لضمان التفوق الدائم فإنهم يعمدون الى القضاء على أصالة وثقافة وتاريخ هذه الشعوب ويستخدمون طرق وحيل خطيرة وأدوات قاتلة لتنفيذ ذلك ، كتغيير ديموغرافية الأرض المحتلة والهيمنة عليها واستغلال أراضيها ، ولا يحتاج التذكير بأن محمد علي جناح أمر بضم بلوشستان قسريا لباكستان في مارس 1948.
في فبراير من عام 2008 قدّم كيفن رود (رئيس الوزراء الأسترالي) إعتذاره للسكان الأصلين وسكان الجزر بمضيق توريس عن إبعاد الأطفال من اسرهم ومجتمعاتهم المحلية لكي يجعلوهم "متمدنين ومتحضرين" ولكن جون موريارتي وهو ناشط من السكان الأصليين وصف هذا الإبعاد القسري بـ"الإبادة الثقافية".
وفي إعتذاره للسكان الأصليين ، عبّر كيفن رود عن أسفه قائلاً " الألم والأذى لهذه الأجيال المسروقة ، لأسرهم التي تركوها ورائهم ، لأمهاتهم وآبائهم ولأخوانهم واخواتهم ، لتفكك هذه الأسر والمجتمعات ، وعلى الإهانه التي لحقت بهذا الشعب الفخور بثقافته" ولكن هذا الإعتذار لم يذهب أبعد من هذا ولم يكن كافيا لأنه أغفل نقطة مهمة الا وهي إن الإستعمار بأستراليا كان على اساس مبدأ (الأرض المباحة) او (الأراضي الغير مأهولة أو الغير تابعه لأحد).
وأضاف قائلاً " فهناك شئ رهيب حولهم ، فالألم حارق ويصرخ عبر الصفحات ، فهي وحشية مطلقة أن تفصل الأم عن ابنائها وهو اعتداء صريح على عمق حواسنا وإنسانيتا". ولفهم الآم امهات واسر الذين يتعرضون للخطف والتعذيب يوميا وجثثهم المشوه مُلقاة على جنبات الطرق ويصعب التعرف عليها في بلوشستان ، وأولئك الذين تعرضوا للتعذيب والقتل خلال السنوات 64 الماضية ، ولفهم الآم الأُم البلوشية فإضرب هذا الألم الذي سببه الإستعمار في استراليا  بمليون مرة.
فالنظام القانوني للمستعمرين يُحّرضهم على جريمتهم أكثر ، ففي استراليا ولغاية عام 1994 واصلت المحاكم دعم الفكرة القائلة بأن السكان الأصليين لم يمتلكوا حقوق الملكية في عام 1788 وبالتالي فإن من حق بريطانيا التمسك بالأرض والسيادة عليها وتحت غطاء قانون الارض المباحة. فالطمع يجعل المستعمر يتجاهل وينسى حقوق الناس ببساطة ويعتبر الأرض مكافأة لهم.
دعاوى السكان الأصليين قد تم حصرها وبشكل فعّال بسبب المطالب العنصرية التي تتدّعي بأن المطالبين من السكان الاصليين أثبتوا بأن تقاليدهم وثقافتهم لم تتغير وبقيت كما هي خلال كامل فترة الإستعمار ، ولكن عندما يُثبت لهم عكس ذلك وبالأدلة فإنهم ينكرون حقوق السكان الأصليين وبكل وقاحه. وفي عام 2002 خسر شعب اليورتا-يورتا قضيتهم وعلى أساس لا إنساني وهو أن تقاليدهم وثقافتهم قد جرفتها امواج التاريخ ولا يحق لهم المطالبة بها.
فالقمع المتواصل والتمييز والرفض الدائم يترك ندبة دائمة في نفسية الضحايا. لوران ليبمان وهو مؤرخ إجتماعي ومدافع عن حقوق السكان الأصليين ، لاحظ بإن السكان الاصليين يتوقعون الإهانة والرفض والتجاهل وهذا لا يؤدي فقط الى عدم الثقة بالبيض وإنما ايضا الى النظر بدناءة الى نفسه ، وعلى المدى البعيد يؤدي الى آثار إجتماعية سلبية ونفسية وجسدية. فهل يمكن لأي إعتذار أن يمحو كل هذه الآثار السلبية على نفسية الضحايا؟
وفي يونيو من عام 2008 ، كندا أيضا إعتذرت للسكان الأصليين لأكثر من قرن من الإنتهاكات في المدارس الداخلية التي انشئت لإستيعاب السكان الأصليين. ابتداءاً من عام 1874 اُدخل 150 الف من الهنود الحمر والإسكيمو والملوَنين وبالقوة الى 132 مدرسة داخلية تُديرها كنائس مسيحية نيابة عن الحكومة الإتحادية في محاولة منها لدمجهم في المجتمع. وإعترف رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر بأن الأهداف الذي بنيت على أساسها هذه المدارس هي إفتراض إن ثقافة السكان الأصليين ومعتقداتهم الروحية كانت دنيئة وغير متكافئة.
ويتحدث بعض الناجين من هذه المدارس عن مدى سوء معاملة المدير والأساتذه لهم ، الذين جردوهم من ثقافتهم ولغتهم.لقد جعلهم هذا ينقطعون عن عائلاتهم وعن مجتمعاتهم وجعلهم يشعرون بالخجل لأنهم ولدوا كسكان أصليين لهذه الأرض. ويقول فيل فونتين ، رئيس جمعية الشعوب الاولى (الهيئة التي تمثل السكان الأصليين) بأنهم (أي الحكومة الكندية) حاولوا أن قتل الهنود الحمر في مهدهم ، للقضاء على اي اثر للهندية في كندا وهي محاولة لمحو هويتنا ، وهذا جرحنا كثيرا.
فإذا القيت نظرة عميقة على ما تقوم به باكستان منذ عام 1947 ، فهو نفس الشئ التي كانت تقوم به الحكومة الاسترالية والكندية سابقاً ، وايضا ايران وتركيا تفعل نفس الشي. فالبلوش والبشتون والسنديون لم يتم وضعهم في مدارس خاصة كما كان الحال في كندا لأن نظام التعليم في باكستان ككل هو نظام خاص ويشبه مدرسة خاصة. فنظام التدريس هنا مصمّم على قتل الأصالة في الأطفال ولمحو الثقافة الأصلية وفرض ثقافة الحُكام عليهم وهذا هو النظام المطبّق هنا. وجناح فعلها ورمى حجر الأساس عندما فرض لغة الأردو على البنغاليين والبلوش والبشتون والسنديين.
فالأطفال البلوش والسنديين والبشتون مجبرون على أن يقرأوا عن محمد بن القاسم ومحمود الغزنوي والمغول وأبطال حروب باكستان مع الهند ومجبرون على تبجيلهم ،بينما لا يُدّرسون شيئا عن تاريخهم وأبطالهم وثقافتهم وكأن هذه الشعوب ليس لها تاريخ او أبطال أو ثقافة قبل 14 أغسطس 1947. الدولة الباكستانية فرضت أيدلوجيتها وثقافتها ولغتها على السكان الأصليين وعلى حساب لغتهم وثقافتهم وأيدلوجيتهم ، وهذه هي الإبادة الثقافية بعينها.
ومن المفارقات ، إن الدولة الباكستانية (بدل الندم عن هذه التجاورات) تعتبر هذا إنجازا وطنيا. فالأطفال البلوش والسنديين والبشتون يجدون انفسهم عاجزين ولا يستطيعون المنافسة مع مُخرجات تعليم النخبة لأنهم اجبروا على دراسة لغة غريبة ليست بلغتهم. وهذا يسبب فجوة آخذه في الإتساع بين مختلف المناطق والشرائح السكانية ، ويزيد الشعور بالغربة الذي نشأ اساسا من القمع والتمييز الإقتصادي.
وكانت هناك محاولات شرسة من باكستان لتغيير ديموغرافية بلوشستان ولكن مقاومة الشعب البلوشي لهذه التغييرات أحبط جميع تلك المحاولات. وفي نوفمبر من عام 2010 كشف أسلم بوتاني (الناطق بإسم برلمان بلوشستان) بأن الحكومة الإتحادية كانت تضغط كثيرا على حكومة بلوشستان لتأجير 70 الف فداناً من الأراضي للأمراء العرب. ولو لم يقاوم البلوش منذ العام 1948 لكانت بلوشستان غرقت بكافة مناطقها ، ولكن الخوف من ردة فعل البلوش يبقي أمر التغييرات الديموغرافية معلقاً.
وقرر البلوش بعدم القبول بنظرية ان حقوقهم قد جرفتها امواج التاريخ ، وهذا بالضبط ما يقاتلون من أجله هنا في باكستان وفي ايران. وبسبب إصرار البلوش ومقاومتهم فإن حقوقهم السياسية والثقافية والتاريخية والإقتصادية لن تجرفها هذه الامواج مهما كانت عاتية.

ترجمة : RedEyeS_BaLocH

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق